لا شك أن فكرة المسيح أو المخلص أحد أكثر الأفكار تأثيراً فى الفكر القديم والمعاصر، حيث أن أتباع ثلاث ديانات كبرى، على اختلاف التفاصيل، يعتقدون أن المسيح ظهر أو سيظهر.
ففى نظر الاسلام كانت مهمة المسيح أن يخلص بنى اسرائيل من بعض الأحكام التى فرضت وأن يحررهم من فهمهم الخاطئ للتوراة.
والأمر مشابه فى المسيحية على اختلاف طوائفها، وان كان الاختلاف الجوهرى هو فكرة ألوهية المسيح، وأيضاً الاعتقاد بأن عيسى/يسوع هو نفس ذات المسيح المتنبأ به فى التوراة.
وأما بالنسبة لبنى اسرائيل (و هذا ما يهمنا) فالمسيح هو ملك مكلف بتحرير بنى اسرائيل من أياً كان من يحتلهم وقتها واعادة الأمور الى نصابها الصحيح فى نظرهم.
من هذا يمكننا أن نستنتج أن الاسلام استمد فكرة المسيح من التوراة. والمسيحية فى أصلها كانت تفسير مختلف للتوراة. فمن أين أتت التوراة بفكرة المسيح؟
فى هذا المقال سأحاول أن أوضح أن فكرة المسيح التوراتى أصلها مصر القديمة.
قبل التطرق الى هذا الموضوع من المفيد أن نشرح معنى كلمة المسيح. ففى اللغات السامية المسيح تأتى من الجذر مسح. والمقصود بها من مسح بالزيت المقدس. وقديماً كان هذا اجراء يتخذ مع الكهنة والملوك. غالباً لاضافة هالة من القدسية على هذا الشخص
كما وضحنا فالاسلام استمد فكرة المسيح من التوراة والمسيحية بنت عليها، لذلك فالتوراة هى أقدم نص يروج لفكرة المسيح.
ولكن من أين أتت التوراة بفكرة -وكلمة- المسيح؟
هناك شقين للاجابة عن هذا السؤال: شق تاريخى وشق لغوى.
وأما الشق "التاريخى" فهو فكرة الملك المخلص الذى سيخلص بنى اسرائيل من القوم المحتلين أياً كانوا وقتها (رومان أو بابليين أو فرس) وهو ملك مكلف بذلك من الرب ولذلك فهو مسيح.
هذه الفكرة وان كان من الطبيعى أن تنشأ لدى أى قوم يعانون من احتلال، لا يزال هناك بعض السمات التى تميزها عن غيرها. وهى الملك المحارب المكلف بذلك من الرب.
الشق الثانى وهو الشق اللغوى، فكلمة مسيح وان كان جذرها هو كلمة مسح. الا أنى لدى من الأسبب ما يجعلنى أظن أن هذا مجرد محاولة لتعبير/تأريم/تعريب كلمة أخرى. وسأوضح لاحقاً.
بمراجعة تاريخ مصرالقديمة، نجد أن فكرة الملك المخلص المكلف من الرب بتخليص شعبه كانت موجودة وحدثت بالفعل. انه الملك الذى يدرس سيرته كل أطفال مصر فى كافة المراحل الدراسية: الملك أحمس الأول.
لأول وهلة قد يظهر أن الأمر محض صدفة، فالاحتلال والتحرير أشياء دائمة الحدوث فى التاريخ البشرى.
وهذا حقيقى، فى حالة تشابه الشق التاريخى فقط. ولكن فى الحقيقة هناك تشابه فى الشق اللغوى أيضاً مما يقلل احتمالية أن يكون الأمر صدفة.
من الممكن أن تكون قد لاحظت التشابه بين كلمتى المسيح وأحمس الآن، لكن لتأكيد التشابه علينا أن نستعين بالنطق المصرى القديم لاسم أحمس، وهو "ايَح مَسِى".
و"ايَح مَسِى" هو اسم يتكون من شقين: ايَح وهو اله القمر فى مصر القديمة، ومَسِى والتى تعنى مولود، ومنها اتت كلمة موسى. فأحمس أو ايَح مَسِى هو ابن القمر.
هناك تشابه نعم لكنه ليس بالتشابه الذى يقنعك بهدف المقال، وفى ذلك معك حق.
ولكن ان قمنا باعادة ترتيب الكلمات ينتج لنا كلمة "مَسِياح"!!وهذا يشبه الى حد كبير النطق الأصلى لكلمة مسيح. ومع أخذ الشق التاريخى فى الاعتبار تقل جداً احتمالية أن يكون التشابه بين المسيح التوراتى والملك أحمس مجرد صدفة.
وبالرغم من ذلك لا أستطيع أن أجزم يقينياً أن المسيح التوراتى استلهم من أحمس ومع ذلك لا يزال هناك بعض المؤشرات التى تدعم كلامى، وسنتطرق اليها فى مقال آخر.